فصل: ومن باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح غيره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب في عدة أم الولد:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم (ح) وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن مطر عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال: «لا تلبسوا علينا سنة قال ابن مثنى سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر، يَعني أم الولد».
قال الشيخ: لا تلبسوا علينا سنة نبينا يحتمل وجهين أحدهما أن يريد بذلك سنة كان يرويها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصًا والآخر أن يكون ذلك منه على معنى السنة في الحرائر ولو كان معنى السنة التوقيف لأشبه أن يصرح به وأيضًا فإن التلبيس لا يقع في النصوص إنما يكون غالبا في الرأي.
وتأوله بعضهم على أنه إنما جاء في أم ولد بعينها كان أعتقها صاحبها ثم تزوجها وهذه إذا مات عنها مولاه الذي هو زوجها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرًا إن لم تكن حاملًا بلا خلاف بين العلماء.
واختلف في عدة أم الولد فذهب الأوزاعي وإسحاق في ذلك إلى حديث عمرو بن العاص وقالا تعتد أم الولد أربعة أشهر وعشرًا كالحرة. وقال ابن المسيب وابن جبير والحسن وابن سيرين.
وقال الثوري وأهل الرأي عدتها ثلاث حيض وقاله علي وابن مسعود وعطاء والنخعي.
وقال مالك والشافعي وأحمد عدتها حيضة، وقاله ابن عمر وعروة والقاسم والشعبي والزهري.

.ومن باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح غيره:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته فتزوجت زوجًا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحل للأول حتى تذوق الآخر ويذوق عسيلتها».
قال الشيخ: العسيلة تصغير العسل وقيل إن الهاء إنما ثبتت فيها على نية اللذة. وقيل إن العسل تؤنث وتذكر.
وقال ابن المنذر فيه دلالة على أنه إن واقعها وهي نائمة أو مغمى عليها لا تحس باللذة فإنها لا تحل للزوج الأول لأنها لم تذق العسيلة، وإنما يكون ذواقها بأن تحس باللذة.

.كتاب الحدود:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن عكرمة «أن عليًا كرم الله وجهه أحرق ناسًا ارتدوا عن الإسلام فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه فقال لم أكن لأحرقهم بالنار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال: من بدل دينه فاقتلوه فبلغ ذلك عليًا فقال ويح أم ابن عباس».
قوله: ويح أم ابن عباس لفظه لفظ الدعاء عليه ومعناه المدح له والإعجاب بقوله وهذا كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي بصير «ويل أمه مسعر حرب» وكقول عمر رضي الله عنه حين أعجبه قول الوادعي في تفضيل سهمان الخيل على المقاديف هبلت الوادعي أمه يريد ما أعلمه أو ما أصوب رأيه أو ما أشبه ذلك الكلام وكقول الشاعر:
هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا ** وماذا يرد الليل حين يؤوب

ويقال ويح وويس بمعنى واحد وقيل ويح كلمة رحمة وروي ذلك عن الحسن.
وقد اختلف الناس فيما كان من علي كرم الله وجهه في أمر المرتدين فروى عكرمة أنه أحرقهم بالنار، وزعم بعضهم أنه لم يحرقهم بالنار ولكنه حفر لهم أسرابًا ودخن عليهم واستتابهم فلم يتوبوا حتى قتلهم الدخان، واحتج أهل الروية الأولى بقول الشاعر فيهم.
أنشدنا ابن الأعرابي، عَن أبي ميسرة عن الحميدي عن سفيان بن عيينة عن بعضهم في هذه القصة.
لترم بي المنايا حيث شاءت ** إذا لم ترم بي في الحضرتين

إذا ما قربوا حطبًا ونارًا ** فذاك الموت نقدًا غير دين

زعموا أنه حفر لهم حفرًا وأشعل النار وأمر أن يرمى بهم فيها.
واختلف أهل العلم فيمن قتل رجلًا بالنار فأحرقه بها هل يفعل به مثل ذلك أم لا، فقال غير واحد من أهل العلم يحرق القاتل بالنار، وكذلك قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وروي معنى ذلك عن الشعبي وعمر بن عبد العزيز.
وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يقتل بالسيف وروي ذلك عن عطاء.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن سنان الباهلي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله إلاّ في إحدى ثلاث زنى بعد إحصان فإنه يرجم. ورجل خرج محاربًا لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض. أو يقتل نفسًا فيقتل بها».
قلت: في هذا الحديث دلالة على أن الإمام بالخيار في أمر المحاربين بين أن يقتل أو يصلب أو ينفي من الأرض، وإلى هذا ذهب مالك بن أنس وأبو ثور.
وروي عن الحسن ومجاهد وعطاء والنخعي، وقال الشافعي تقام عليهم الحدود بقدر جناياتهم لمن قتل منهم وأخذ مالًا قتل وصلب، وإذا قتل ولم يأخذ مالًا قتل ولم يصلب ودفع إلى أوليائه ليدفنوه. ومن أخذ مالًا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى وخلي، ومن حضر وهيّب وكثر أو كان ردءًا يدفع عنهم عزر وحبس، وروي معنى ذلك عن ابن عباس إلاّ أنه قال إن لم يقتل ولم يأخذ مالًا بقي، وممن ذهب إلى قول ابن عباس قتادة والنخعي.
وقال الأوزاعى نحوًا من ذلك ومذهب أبي حنيفة وأصحابه قريب من ذلك. وفي قوله أو يقتل نفسًا فيقتل بها مستدل من جهة العموم لمن رأى قتل الحر بالعبد.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا قرة بن خالد حدثنا حميد بن هلال حدثنا أبو بردة، عَن أبي موسى «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل، قال فلما قدم عليه معاذ قال انزل وألقى له وسادة وإذا رجل عنده موثق؛ قال ما هذا قال هذا كان يهوديًا فأسلم ثم راجع دينه دين السوء قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسول، قال اجلس نعم قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل».
قلت: الظاهر من هذا الخبر أنه رأى قتله من غير استتابة ولا استتابة وذهب إلى هذا الرأي عبيد بن عمير وطاوس، وقد روى ذلك أيضًا عن الحسن البصري.
وروي عن عطاء أنه قال إن كان أصله مسلمًا فارتد فإنه لا يستتاب وإن كان مشركًا فأسلم ثم ارتد فإنه يستتاب.
وقال أكثر أهل العلم لا يقتل حتى يستتاب إلا أنهم اختلفوا في مدة الاستتابة فقال بعضهم يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل، روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال أحمد وإسحاق؛ وقال مالك بن أنس أرى الثلاث حسنًا وإنه ليعجبني.
وقال أبو حنيفة وأصحابه يستتاب ثلاث مرات في ثلاث أيام. وقال الشافعي في أحد قوليه يستتاب فإن تاب وإلا قتل مكانه، قال وهذا أقيس في النظر وعن الزهري يستتاب ثلاث مرات فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
قلت: وروى أبو داود هذه القصة من طريق الحماني عن يزيد بن أبي بردة عن أبيه، عَن أبي موسى فقال فيها وكان قد استتيب قبل ذلك فرواها من طريق المسعودي عن القاسم قال فلم يترك حتى ضرب عنقه وما استتابه.

.ومن باب من سب النبي صلى الله عليه وسلم:

قال أبو داود: حدثنا عباد بن موسى الختلي حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني عن إسرائيل عن عثمان الشحام عن عكرمة حدثنا ابن عباس رضي الله عنه «أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فنهاها فلا تنتهي فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه فأخذ المعول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمها».
المعول شبه المشمل ونصله دقيق ماض، وفيه بيان أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم مقتول وذلك أن السب منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ارتداد عن الدين ولا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله ولكن إذا كان الساب ذميًا فقد اختلفوا فيه فقال مالك بن أنس من شتم النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى قتل إلاّ أن يسلم وكذلك قال أحمد بن حنبل، وقال الشافعي يقتل الذمي إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم وتبرأ منه الذمة.
واحتج في ذلك بخبر كعب بن الأشرف وقد ذكرناه في كتاب الجهاد.
وحكي، عَن أبي حنيفة أنه قاله لا يقتل الذمي بشتم النبي صلى الله عليه وسلم ما هم عليه من الشرك أعظم.
قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله ونصر بن الفرج قالا: حَدَّثنا أبو أسامة عن يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف عن ابن أبي برزة قال: «كنت عند أبي بكر رضي الله عنه فتغيظ على رجل فاشتد عليه فقلت تأذن لي يا خليفة رسول الله فأضرب عنقه قال فأذهب كلمتي غضبه فقام فدخل فأرسل إليّ فقال ما الذي قلت آنفًا، قلت ائذن لي اضرب عنقه قال أكنت فاعلًا لو أمرتك قال نعم؛ قال لا والله ما كانت لبشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
قلت: أخبرني الحسن بن يحيى عن ابن المنذر قال: قال أحمد بن حنبل في معنى هذا الحديث أي لم يكن لأبي بكر أن يقتل رجلًا إلا بإحدى الثلاث التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل.
قلت: وفيه دليل على أن التعزير ليس بواجب وللإمام أن يعزر فيما يستحق به التأديب وله أن يعفو فلا يفعل ذلك.

.ومن باب في المحاربة:

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب، عَن أبي قلابة عن أنس «أن قومًا من عكل أو قال من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتووا المدينة فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم في أول النهار فأرسل في آثارهم فما ارتفع النهار حتى جيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون».
قال أبو قلابة وهؤلاء قوم قتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.
قوله: فاجتووا المدينة معناه عافوا المقام بالمدينة وأصابهم بها الجوى في بطونهم يقال اجتويت المكان إذا كرهت الإقامة به لضرر يلحقك فيه واللقاح ذوات الدر من الإبل واحدتها لقحة.
قوله: سمر أعينهم يريد أنه كحلهم بمسامير محماة والمشهور من هذا في أكثر الروايات سمل باللام أي فقأ أعينهم قال أبو ذؤيب.
فالعين بعدهم كأن حداقها ** سملت بشوك فهي عور تدمع

وفي الحديث من الفقه أن إبل الصدقة قد تجوز لأبناء السبيل شرب ألبانها وذلك أن هذه اللقاح كانت من إبل الصدقة، روي ذلك في هذا الحديث من غير هذا الطريق حدثناه ابن الأعرابي حدثنا الزعفراني حدثنا عمر حدثنا حماد حدثنا حميد وقتادة وثابت عن أنس فذكر القصة وقال فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وفيه إباحة التداوي بالمحرم عند الضروري لأن الأبوال كلها نجسة من مأكول اللحم وغير مأكوله.
قال أبو داود: حدثنا عمر بن عثمان حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى، عَن أبي قلابة عن أنس بن مالك وذكر القصة وقال فيها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قافة فأتي بهم فأنزل الله عز وجل: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا} [المائدة: 33] الآية.
القافة جمع القائف وهو الذي يتبع الأثر ويطلب الضالة والهارب.
قلت: وقد اختلف الناس فيمن نزلت فيه هذه الآية فروي مدرجًا في هذا الخبر أنها نزلت في هؤلاء، وقد ذكر أبو قلابة أن هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.
وذهب الحسن البصري أيضًا إلى أن الآية إنما نزلت في الكفار دون المسلمين وذلك أن المسلم لا يحارب الله ورسوله، وقال أكثر العلماء نزلت الآية في أهل الإسلام، والدليل على ذلك قوله: {إلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} [المائدة: 34] والإسلام يحقن الدم قبل القدرة وبعدها فعلم أن المراد به المسلمون، فأما قوله: {يحاربون الله ورسوله} فمعناه يحاربون المسلمين الذين هم حزب الله وحزب رسوله فأضيف ذلك إلى الله وإلى الرسول إذ كان هذا الفعل في الخلاف لأمرهما راجعًا إلى مخالفتهما، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: «من آذى لي وليًا فقد بادرني بالمحاربة».
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس وذكر الحديث قال ولقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشًا حتى ماتوا.
قوله: يكدم الأرض أي يتناولها بفمه ويعض عليها بأسنانه؛ وأصل الكدم العض والعرب تقول في قلة المرعى ما بقيت عندنا إلا كدامة ترعاها الإبل أي مقدار ما تتناولها بمقاديم أسنانها.
وقد اختلف الناس في تأويل هذا الصنيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي عن ابن سيرين أن هذا إنما كان منه قبل أن تنزل الحدود وعن أبي الزناد أنه قال: لما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بهم أنزل الله الحدود فوعظه ونهاه عن المثلة فلم يعد.
قلت: وروى سليمان التيمي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سمل أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة، حدثنيه الحسن بن يحيى، عَن أبي المنذر عن الفضل بن سهل الأعرج عن يحيى بن غيلان عن يزيد بن زريع عن سليمان التيمي يريد أنه إنما اقتص منهم على أمثال فعلهم.